سكان واحات الكفرة عبر العصور
دراسة تاريخية
الموقع و الاسم:
تقع الكفرة في الجنوب الشرقي لليبيا وبالتحديد جنوب برقة وشرق فزان، في قلب الصحراء الكبرى. تحدها ثلاثة دول هي مصر و السودان وتشاد، وتمتد مساحتها في إقليم صحراوي يبلغ (483,510) كيلومتر مربع، أي أنها تشغل ثلث مساحة ليبيا و هي بهذا أكبر من مساحة العراق .( ) و تنتشر على هذا الامتداد واحاتها المتناثرة التي تشكل طوقاً طبيعياً يلف مركز الواحات (الجوف)، و تتمثل تلك الواحات في كلاً من (واحة تازربو، الزيغن، بزيمة، ربيانة، الهواري، الهويويري، بومة، بويمة، الزرق، الطلاب، الطليليب ) و تعد واحة الجوف مركز واحات الكفرة وتبعد عن الجوف كلاً من تازربو بمسافة 220 كيلومتر شمالاً غرب و تجاورها الزيغن شرقا بمسافة 80 كيلومتر، بينما تقع بزيمة بين تازربو والجوف وتبعد عن الأخيرة مسافة 150 كيلومتر. وأما ربيانة فتقع إلى الغرب من الجوف بمسافة 180 كيلومتر،و باقي الواحات تعد قريبة من الجوف ولا تتجاوز أبعدها 30 كيلومتر.
ويحد واحات الكفرة من الجنوب جبل العوينات والعرق الإدريسي ومن الشمال صحراء السرير والجغبوب وجالوا ومرادة وزلة، ومن الشرق الحدود المصرية ومن الغرب واو الناموس وزويلة، ويبلغ عدد سكانها حسب تعداد 2006ف (50104) نسمة.( )
وبالإضافة إلى هذا الموقع الاستراتجي والمتميز في القلب الشمالي للقارة الأفريقية فأن إقليم الكفرة يمثل جزء مهماً من احتياطي النفط في العالم كما تشير الدراسات الجيولوجية، كما أن أول بئر نفطي في ليبيا كان صحراء السرير قرب واحة تازربو.
كما تتميز الكفرة بالمياه العذبة فإلى وقت قريب كانت توجد بحيرات مثل بحيرة بومة و بحيرة الحارة قرب الجوف و لازالت بحيرة بزيمة التي يلفها النخيل وسط بحر الرمال العظيم، يزداد عشقك لتراب هذا الوطن و أنت تكحل عينيك بالنظر إليها. كما يوجد في إقليم واحات الكفرة خزان عظيم من المياه الجوفية تم على غراره وصنع حجر الأساس لأضخم مشروع في التاريخ لنقل تلك المياه من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال.
وإلى جانب وفرة المياه فأن تربة الكفرة صالحة لزراعة جميع أنواع الأشجار والخضراوات والحبوب، حيث يوجد مشروع الكفرة الزراعي الذي يشغل ألاف الهكتارات من القمح والشعير، كما تمتاز الكفرة بزراعة النخيل فالتمور الموجودة هناك هي أفضل أنواع التمور في ليبيا، وهناك أيضاً يزرع شجر المانجو بالآلف، والزيتون ذو الحبة الكبيرة والحمضيات. اكتفي بهذا حتى لا يُظن أنني أبالغ في الوصف.
الاسـم: (الكفرة)
اسم جعل المؤرخين في حيرة ينسبونه تارةً إلى الأراضي الواسعة و أخرى إلى القرية النائية كما جاء في لسان العرب أن (الكفر) يعن القرية النائية.
ولكنني في الحقيقة اتجه منحى آخر لعلي أضيف شيئاً يساعد غير في الوصول إلى ما هو أفضل، ومن هنا فأنني أرى أن (الكفرة) هي (القفرة) فقلبت القاف إلى كاف وكثيراً ما يحدث فالحرفين قريبين جداً في النطق.
فقد جاء في قاموس (لسان العرب) أن (القفرة) هي الخلال من الأراضي، والمكان الخلاء من الناس، و ربما كان به كَلاُ قليل. يعني زرع قليل.( )
وهنا لابد أن ننوه إلى أنه لا توجد واحة اسمها الكفرة بل اسم الكفرة يطلق على مجموعة من الواحات فحتى المركز الحضري اليوم هو واحة الجوف . فاسم الكفرة يطلق على الإقليم الصحراوي الممتد من جنوب جالو حتى جبل العوينات ومن الحدود المصرية شرقاً حتى واو الناموس و زويلة غرباً، وإذا نظرنا إلى هذا الامتداد الذي يمثل ثلث مساحة ليبيا فأن المساحة المسكونة و المزروعة لا تكاد تذكر مقارنة بهذا الامتداد الصحراوي العظيم، و هذا كان من حق ابن خلدون أن يطلق عليها (بلاد القفر).
لقد ذكر ابن خلدون واحات الكفرة تحت اسم (القفر) أو (بلاد القفر) عند حديثه عن صنهاجة ولمطة وهوارة الذين سكنوا جنوب أوجلة فيقول عن هوارة: "ومنهم من قطع الرمال إلى بلاد القفر" . وعن صنهاجة هم المواطنين (بالقفر).( ) وفي موضع آخر يصف مواطن بن سليم التي سيطروا عليها عند دخولهم ليبيا والتي كانت قبلهم للبربر والتوارق كما سنوضح لاحقاً، فيقول واصفاً واحات الكفرة ((و ينجعون إلى بلاد النخيل في جهة القبلة منهم من أوجلة وسنترية (سيوة) والواحات قبلة برقة وما وراء ذلك من الرمال و (القفر) إلى بلاد السودان المجاورين لهم" .( )
وهكذا نلاحظ أن ابن خلدون كلما تحدث عن سكان الصحراء النائية يستخدم مصطلح (القفر).
كما أن المؤرخ محمد سعيد القشاط يذكر واحات الكفرة باسم (القفرة) في موضوعين مختلفين في كتابه "جهاد الليبيين ضد فرنسا في الصحراء الكبرى " فيقول في أحدد الموضوعين وهو يتحدث عن قبيلة (زوية): "هي قبيلة كبيرة تسكن منطقة (القفرة).( ) كما أن القشاط يكتب اسم الكفرة (القفرة) في أكثر من مؤلف ففي كتابه " التوارق عرب الصحراء الكبرى" يرسمها على خريطة ليبيا باسم (القفرة) وهو يوضح مواطن التوارق.( )
ويبدو أن هذا الاسم (القفرة) وجده القشاط هكذا في كتب التاريخ، والله أعلم.
إن ما أورد آنفاً لا يعدو كونه تحليل و محاولة لإضافة الجديد مبتعدين ما أمكن عن الأسلوب الترددي إلى الأسلوب التحليلي في قراءة التاريخ.